Minggu, 18 November 2012

Catatan Muthala'ah kls 5



نكــران الجمـيل
كان أمير هنديّ مغرما بالتّجديف, واتّفق ذات يومن أن أوقعه سوء حظّه في النّهر, فأشرف على الغرق, لولا أنّ عبدا تداركه, وألقى بنفسه في البحر وراءه, وأمسك به وحمله إلى الشّاطئ, وهو في غشية من الرّعب, ومن الماء الّذي ابتلعه. ولمّا أفاق أرسل في إحضار من نجّاه, فإذا هو عبد. فقال له الأمير: "كيف تجرأ أن تمسّ سيّدك الطّاهر المقدّس, بتلك اليد النّجسة الذّليلة؟" فقال العيد: "إنّما فعلت ذلك يا مولاي لأنقذك من الغرق". فقال الأمير: "لقد لوّثت بدني أيّها العبد الوضيع, وليس لك عندي إلاّ الإعدام جزاء تبجّحك".
وبعد ذلك بمدّة قصيرة, خرج الأمير يجدّف كعادته, وحاول الانتقال من زورق إلى آخر, فهوى بين الزّورقين, ولم يسع أحد لإنقاذه. فصاح واستغاث, ولا مجيب ولا مغيث. ولكنّ صوتا رنّ في أذنيه حتىّ كاد يصمّمهما, وهو يقول: "هيهات هيهات! بعد عمل منك قد فات, فذق كأس الممات".
فقذفه اليمّ وابتلعه البحر ومات غريقا, يلقى عذابه من خالق تلك النّفس البريئة, الّتي قتلها بجحوده وكفرانه.

الاعتـــراف بالجميل
كان الخليفة المنصور يتطّلع إلى الإحاطة بأمور الناس عموما, وإلى معرفة أحوال بني أمية خصوصا. فبلغه أن من مشايخ أهل الشّام, شيخا معروفا, وكان بطانة لهشام بن عبد الملك بن مروان. فأرسل إليه المنصور, وأحضره بين يديه, وسأله عن تدبير هشام في حروبه مع الخوارج. فوصف له الشيخ ما دبّر وقال:" فعل رحمه الله كذا وكذا". فقال له المنصور: "قم عنّي! تطأ بساطي وتترحّم على عدوّي!" فقال الرّجل وهو مولّ يريد الخروج: "إن نعمة عدوّك لقلادة في عنقي, لا ينزعها إلاّ غاسل". فلمّا سمعه المنصور قال: "ردّوه". فلمّا رجع قال: "يأمير المؤمنين, إن أكثر النّاس لؤما, من لم يجعل دعاءه لمن أحسن إليه, وثناءه عليه, وحمده لمعروفه عنده وفاء له, ولو أمكنني القدر, وأقدرني القضاء, على الوفاء لهشام بأكثر من ذلك, لوجدني أمير المؤمنين وافيا له به". فقال له المنصور: "ارجع يا شيخ إلى تمام حديثك". ثمّ أقبل المنصور على حديثه إلى أن فرغ, فدعا المنصور بمال وكسوة وقال: "خذ هذا صلة منّا لك". قأخذ ذلك وقال: "والله يا أمير المؤمنين مابي من حاجة. ولقد مات عنيّ من كنت في ذكره, فما أحوجني إلى وقوفي على باب أحد بعده. ولولا جلال أمير المؤمنين, ولزوم طاعته, وإيثار أمره, لما لبست نعمة أحد بعده". فقال المنصور: "لله أنت! لولم يكن لقومه غيرك, لكنت أبقيت لهم ذكرا مخلّدا, ومجدا باقيا, بوفائك لمن أحسن إليك".

خطبة طارق قبل فتوح الأندلس
لمّا بلغ طارقا دنوّ لذريق, قام في أصحابه, فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: "أيّها النّاس! أين المفرّ؟ البحر من ورائكم, والعدوّ أمامكم, وليس لكم والله إلاّ الصّدق والصّبر. واعلموا أنّكم هنا أضيع من الأيتام, في مأدبة اللّئام. وقد استقبلكم عدوّكم بجيشه وأسلحته وأقواته موفورة, وانتم لا وزر لكم إلاّ سيوفكم, ولا أقوات إلاّ ما تستخلصونه من أيدي عدوّكم. وإن امتدّت بكم الأيّام على افتقاركم ولم تنجزوا لكم أمرا, ذهب ريحكم, وتعوّضت القلوب من رعبها منكم الجرأة عليكم. فارفعوا عن أنفسكم خذلان هذه العاقبة من أمركم, بمناجزة هذا الطاغية, فقد ألقت به إليكم مدينته الحصينة, وإنّ انتهاز الفرصة فيه لممكن إن سمحتم لأنفسكم بالموت. وإنّي لم أحذّركم أمرا أنا عنه بنجوة, ولا حملتكم على خطّة أرخص متاع فيها النفوس, إلا أبدأ بنفسي. واعلموا أنّكم إن صبرتم على الأشقّ قليلا, استمتعتم بالأرفه الألذّ طويلا. فلا ترغبوا بأنفسكم عن نفسي, فما حظّكم فيه بأوفر من حظّي. والله تعالى وليّ انجادكم, على ما يكون لكم ذكرا في الدّارين. واعلموا إنيّ أوّل مجيب إلى ما دعوتكم إليه, وأنيّ عند ملتقى الجمعين حامل بنفيس على طاغية القوم لذريق. فقاتله إن شاء الله تعالى. فاحملوا معي: فإن هلكت بعده فقد كفيتك أمره, ولم يعوزكم بطل عامل تسندون أموركم إليه, وإن هلكت قبل وصولي إليه, فاخلفواني في عزيمتي هذه, واحملوا بأنفسكم عليه, واكتفوا لهم من فتح هذه الأراضي بقتله".
آيات الوفاء
من عجائب ما يؤثر إبان فتح الأندلس, أن شابا إسبانيا اعتدى على آخر من أبناء العرب وفتله, ثم فر هاربا, حتى انتهى إلى بستان فارتأى أن يلجأ إليه فدخله, فوجد فيه شيخا جليلا, قد ناهز المائة من عمره, فتعلق بأهدابه ليجيره من أذى أعدائه.
      فجاء به الرجل إلى مأوى منفرد وخبأه فيه. وبعد ذلك علا الصياح بفناء البستان, ودخل نفر من الناس سحملون القتيل. فنظره الشيخ فوجده ابنه, واعتقد أن ذلك الشاب الذي اختبأ لديه هو الذي قتله. فأخذ منه الأسى كل مأخذ, ولكنه كظم غيظه, وسكن جأشه وانزوى في إحذى حجرات بيته, حتى أتى الليل وهدأت الأصوات. ثم قام ودخل على الفتى ونبأه بالأمر, فلما وعى الفتى قوله, هلع فؤاده, ورأى الموت عيانا. فأخذ الرجل يؤمنه ويهدئ روعه, حتى سري همه, ثم قال: "ما كنت لأخفر ذمتي وأنقض عهدي, ولكني لا آمن أن يجيء قومي ويسيئوا إليك. فخذ مؤونة سفرك واحل عني, والله البارئ ولي أمري.

التاريخ  (1)
كان التاريخ في أوّل حضارة الدنيا, حكاياتٍ وأقاصيصَ يتناقلها النّاسُ جيلا بعد جيلٍ, ويلبسونها من الزخرف والغرابة, ثوبا يجعل جلَّها مستحيلا, لا يلقى إلاّ التّكذيبَ والامتهانَ, لأنّ النّقل باللّسان عرضة للتغيير والتبديل, حتىّ إذا ما ابتدعت الكتابة, سارع النّاس إلى تدوين أعمالهم إن كانوا عظاما, أو تدوين الحوادث العظيمة إذا تركت أثرا في نفوسهم.
      وأوّل من وضع علم التّاريخ غير معروف. ولكنّ قدماء المصريين, كانوا أكثر النّاس ميلا إلى تدوين عاداتهم وصنائعهم وحوادثهم بالكتابة التصويرية, تارة بالنّقش على الأحجار, كما يرى الآن في معابدهم وآثار أبنيتهم, وطورا على رقاع البرديّ المودعة في كثير من المتاحف. وأوّل كتاب مفدّس دوّنت فيه الحوادث والوقائع التّاريخيّة بطريقة منسّقة, هو التّوراة. ويقال إنّها كتبت في القرن الخامس عشر قبل الميلاد. وفي القرن ا لعاشر قبل الميلاد نظم هومرس, الشّاعر اليونانيّ الشّهير, شعره القصصيّ الّذي ضمّنه تاريخ اليونان القديم, وانتصارهم على أمم الأرض المعروفة في ذلك الزّمان. وما أتاه أبطال اليونان من مجيد الأعمال حتىّ أكسب اليونانيين عطف أوربا واحترامها, وأوّل من كتب التاريخ على الطّريقة العلميّة هو هيرودتس, الرّحالة الذائع الصّيت, الملقّب بأبي التّاريخ, وقد ضمّن كتابه تاريخ الأمم القديمة إلى عهده, في القرن الخامس قبل ا لميلاد.

التاريخ  (2)
في القرن الرابع قبل الميلاد, ظهر مؤرّخ اسمه تسياس, وهو طبيب فارسيّ, كتب كتابا في تاريخ الفرس القديم.
وهوميرس وهيرودتس وتسياس هم عمدة التّاريخ القديم, وإليهم المرجع في تحقيق الحوادث التاريخيّة القديمة, فيما عدا التّاريخ المقدّس. وقد حذا حذو هؤلاء كثيرون ممن جاءوا بعدهم, وفي جملتهم سبايتسوس أحد كهنة المصرييّن في القرن الثّالث قبل الميلاد, وكتب تاريخا عن مصر, لم يصلنا منه إلاّ ما نقله مؤرّخ عبرانيّ عنه. وظهر بعد هذا ميثودرس الصقليّ نحو زمن الميلاد, وشاع علم التّاريخ في سائر الأقطار, وأقبل النّاس على قرائته, فنشأ المؤرّخون في كلّ أمّة من الأمم المتحضّرة. وأمّا ما جاء به القرآن الحكيم من القصص والأخبار, فلم يكن إلاّ آيات أطلع الله عليها عباده, لتكون لهم هدى ورحمة, وعبرة وذكرى, لعلّهم يهتدون.
      وقد نبغ في التّاريخ من العرب كثيرون, استقصي ما ألّفوه باللّغة العربيّة, فبلغ زهاء ألف وأربعمائة كتاب: منها ما هو خاصّ بنحو بلدة أو فرد من النّاس, ومنها ما هو عامّ, وأشهرها تارخ المسعودي, وتاريخ ابن جرير الطبري, وابن خلدون, وابن خلكان, وابن الأثير, وأبي الفداء والمقريزي وغيرهم. وهؤلاء ثقات تاريخ المسلمين وعمدة مؤرّخيهم.

ما جزاء الوالد من ولده
جاء رجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم, فقال له: "يا رسول الله, إنّ أبي أخذ مالي". فقال له المصطفى عليه الصّلاة والسّلام " اذهب فأتني بأبيك". فلمّا جاء الشّيخ قال النّبيّ "ما بال ابنك يشكوك, أتريد أن تأخذ ماله؟" فقال له "سله يا رسول الله, هل أنفقه إلاّ على إحدى عمّاته أو خالته أو على نفسي؟". فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم "دعنا من هذا أخبرني عن شيء قلته في نفسك, ما سمعته أذناك". فقال الشّيخ: " والله يا رسول الله ما يزال الله يزيدنا بك يقينا, لقد قلت في نفسي شيئا ما سمعته أذناي" فقال: "قل فأنا أسمع"!

غذوتك مولودا وعلتك يافعــا
                                    تعلّ أحنو عليك وتنهل
إذا ليلة ضاقت بك السّقم لم أبت
                                    لسقمك إلاّ ساهرا أتململ
كأنّي أنا المـطروق دونك بالّذي
                              طرقت به دوني, فعيناي تهمل
تخاف الردى نفسي عليك, وإنّني
                              لأعلم أنّ الموت وقت مؤجّل
فلمّا بلغت الـسّن والغـاية الّتي
                              إليها مدى ما كنت فيه أؤمّل
جعلت جزائي غلظة وفــظاظة
                              كأنّك أنت المنعم المتفضّل
فليــتك إذلم ترع حقّ أبـوّتي
                              فعلت كما الجار المجاور يفعل!

فحينئذ أخذ النّبيّ صلّى الله عليه مسلّم بتلابيب الولد, وسلّمه لوالده قائلا: "أنت ومالك لأبيك".

تــــــنازع البـــقاء
إذا نظر العاقل فيما حوله نظر الحكيم, رأى أعلام الحرب خافقة فوق كلّ نبتتين في تلعة, وفوق كلّ طائرين في كنّ, وكلّ شاتين على مربض, وكلّ جوادين على مذود وبين جميع الطّبقات, في الهيئة الاجتماعيّة: علماء وجهلاء, سوقة وأعيانا, ملوكا وعبيدا, أغنياء وفقراء, متمدّينين ومتوحّشين, رجالا ونساء, كبارا وصغارا, بل بين الأديان المختلفة, والآراء الفلسفيّة, والمذاهب المعلميّة, وبين اللّغات والعادات والاصطلاحات, بل بين العواطف والمدارك, فالوجود كلّه حرب في حرب في حرب.
      وإذا أعدنا النّظر في تاريخ الدّول, رأينا حلقات التّنازع متوالية, والدّول في صعود وهبوط.
      ففي فجر التّاريخ, كانت الدولة المصرية قابضة على زمام الأحكام, في العالم المتمدين, وكانت مدائنها وأسواقها ومدارسها كعبة القصّاد, ونجعة الروّاد. وطلت ربّة الممالك والأمصار, حتىّ برزت إلى عالم الوجود الدولة الأشورية, الّتي نشأت في نينوى, وامتدّت شرقا وغربا, وشمالا وجنوبا, حتىّ احتكّت بالدولة ا لمصرية, فأومض بينهما شرر الحرب, واستعرت نيران المعارك, حتىّ انجلت عن فوز الأشرويين, فأجلوهم عن ربوع آسيا, وحلّوا محلّهم, إلى نهوض ماديين بقيادة كيكسارس فدحر الأشورين وحلّ محلّهم, وخلفه في سيادة المشرق خلفاؤه, إلى ظهور الإيكندر الكبير, الّذي اندفع من وراء الدردنيل اندفاع الشّبل إلى الفريسة, وهبط على أقاليم آسيا وإفريقية, هبوط الكواسر على صغار الطيور, فجندل أبطالها, ودوّخ أمصارها, وتسنّم عروشها. وأجهز على ممالك مصر, وفارس وصور وغيرها, وبسط ظلّه على الأقاليم الممتدّة من الكنج إلى النيل, ومن نجد إلى الدانوب. وبعد موته انقسمت مملكته ألواسعة النطاق إلى أربع: اثنتان منها سورية ومصر. وساد الاولى الأناطخة والثانية البطالسة, وحروبها تحاكي حروب الوردتين في تاريخ إنكلترا. ولا زالتا في كرّ وفرّ, إلى انتهاء مجراهما التّاريخيّ في حجر الدولة الرومانية, الّتي التهمت الممالك المجاورة لها التهام البحر المحيد الجداول الجارية إليه.

ذكــــاء القاضي

استأجر أحد التجّار جمّالا يحمل له بضاعة نفيسة من الحرير والديباج, اشتراها من حلب ليتّجر بها في إستنبول, واتّفق معه على كراء معدود, وسار الركب يقطع الطّريق آمنا مطمئنّا.
      وبعد مسيرة أيّام قليلة عرا التّاجر مرض شديد, اضطرّه إلى التخلّف عن الركب, والتريّث في أقرب قرية يتمرّض فيها حتىّ يبلّ, فوصّى الجمّال بمتاعه, وأذن له بمتابعة السير على الطّائر الميمون, وانتظاره في إستنبول إلى أن يلحق به.
      وما كاد الجمّذال يبلغ ذلك المكان القصي, حتىّ وسوس الشّيطان في صدره, وسوّلت له النّفس الأمّارة بالسّوء أن يخفر ذمّته, ينقض عهده, ويخون من ائتمنه.  
      فباع البضاعة بثمن يخس, وغيّر اسمه ولبوسه, وادّعى أنّه تاجر ليدلّس على النّاس, ولكيلا يهتدي التّاجر إليه متى حضر وجدّ في البحث عنه. ولماّ قدم التّاجر إلى المدينة, طلب الرّجل فلم يقف له على خبر. فطفق يطوف أنحاءها لعلّه يقع به بالمصادفة. فرآه في الطّريق متنكّرا مستخفيا في زيّ التّجّار, فأمسك بتلابيبه واستصرخ واستغاث, فأقبل رجال الشّرطة وساقوهما إلى القاضي, وهناك قصّ التّاجر قصّته, فأنكرها الجمّال وقال إنّها فرية كاذب محتال, يريد أن يستلب ما معه من المال. ولم يكن لديّ التّاجر المسروق بيّنة يقيم بها حجّته على غريمه. وأدرك القاضي من خلال الحديث إن التّهمة صحيحة, فصمّم على أن يسبر المسألة بالحيلة والدهاء, فأمر الرّجلاين بالانصراف من أمامه, حتىّ إذا ما أبعدا عنه قيد قصبة صاح عليهما: "يا جمّال"! فالتفت ذلك الخئون المتنكّر, وقال : "مهيم" فقامت عليه تلك الحجّة البالغة, وأجبر على ردّ المال إلى صاحبه, ونال شديد العقاب, جزاء ما اقترف من الخيانة والعدوان.

ســـيّدنا نوح

وأوحي إلى نوح أنّه لن يؤمن من قومك إلاّ من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون. واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الّذين ظلموا إنّهم مغرقون. ويصنع الفلك وكلّما مرّ عليه ملأ من قومه سخروا منه قال إنّ تسخروا منّا فإنّا نسخر منكم كما تسخرون. فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحلّ عليه عذاب مقيم.  حتىّ إذا جاء أمرنا وفار التنّور قلنا احمل فيها من كلّ زوجين اثنين وأهلك إلاّ من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلاّ قليل. وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها إنّ ربي لغفور رحيم. وهي تجري بهم في موج كالجبال ونادى نوح ابنه وكان في معزل يابنيّ اركب معنا ولا تكن مع الكافرين. قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلاّ من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين. وقيل ياأرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظّالمين. ونادى نوح ربّه فقال ربّ إنّ ابني من أهلي وإنّ وعدك الحقّ وأنت أحكم الحاكمين. قال يانوح إنّه ليس من أهلك إنّه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إنّي أعظك أن تكون من الجاهلين.  قال ربّ إنّي أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلاّ تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين. قيل يانوح اهبط بسلام منّا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتّعهم ثمّ يمسّهم منّا عذاب أليم. تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتّقين. 


في سبيل الوطن

في أواخر القرن الرابع عشر للميلاد, كانت الحرب ناشبة بين النمسويين والسوسريين, الّذين هاجوا يطلبون استقلال بلادهم من أيدي الغاصبين, على مشافر السيوف وظبات الرّماح. فهاجمهم النمسويون, وتكاثروا عليهم في وقعة سمباخ, وحصروهم في أجمة كثيفة الأشجار, وأحاطوا بهم, وضيّقوا عليهم الخناق, حتىّ كاد اليأس يتسرّب إلى نفوسهم الباسلة, المستميتة في سبيل خلاص الوطن, وافتدائه بالأموال والبنين والأنفس. وكلّما خرج نفر منهم يهاجمون العدوّ, وقعوا صرعى على رؤوس الرّماح المصفوفة, مضرّجين بدمائهم الزّكية, وأرواحهم البريئة تشكو إلى الله بثّها وبلواها من ظلم الظّالمين.
ولمّا ضاقت بهم الحيل في صدع صفوف النمسويين وكسر شوكتهم, برز ونكلريد السوسريّ من بين مواطنيه وصاح بهم صيحة شهم مغوار, أن اتّبعوني أفسح لكم فرجة في صفوف العدوّ فتنكّلوا بهم تنكيلا.
وخرج يعدو مستقبلا تلك الرّماح المتحفّزة لإعدامه, ووثب على الأعداء وثبة اللّيث يذوذ عن عرينه, وقبض بيديه على جملة من الأسنة, فاحترقت صدره ومزّقت فؤاده, ولكنّه لم يحفل بما انتابه من الآلام, ولبث قابضا على الرّماح يمكّنها من صدره, وخرّ بها على الأرض. فأقبل مواطنوه على تلك الثّلمة في صفوف الأعداء, وأشبعوهم طعنا وضربا وتقتيلا.
فاضّطربت تلك الصّفوف, وارتعب العسكر وخار بأسهم, واختلّ نظامهم وانقلبوا على أنفسهم, ثمّ لاذوا بأذيال الفرار, خوفا ممّا حلّ لهم من العذاب والدمار. "وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصّابرين".
فانتصر السوسريون الأبطال, ومتّعوا بالحرّيّة الاستقلال, بعد أن بذل بطلهم ونكلريد حياته الشّريفة ومات شهيد الإخلاص للوطن.
كلّكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيّته (1)
(مختار من وصية طاهر بن الحسين لابنه عبد الله بن طاهر, لمّا ولاّه المأمون الرّقة ومصر وما بينهما)

أمّا بعد, فإنّ الله سبحانه قد أحسن إليك, وأوجب الرأفة عليك بمن استرعاك أمرهم من عباده, وألزمك العدل فيهم, والقيام بحقّه وحدوده عليهم, والذّبّ عنهم, والدّفع عن حريمهم ومنصبهم, والحقن لدمائهم, والأمن لسربهم, وإدخال الرّاحة عليهم. وعليك بالاقتصاد في الأمور كلّها, فليس شيء أبين نفعا, ولا أخصّ أمنا ولا أجمع فضلا منه, ولا تتّهمنّ أحدا من النّاس فيما تولّيه من عملك, قبل أن تكشف أمره, فإنّ إيقاع التّهم بالبراء والظّنون السّيّئة بهم إثم. فاجعل من شأنك حسن الظّنّ بأصحابك واطرد عنك سوء الظّنّ بهم, وارفضه فيهم, يعنك ذلك على استطاعتهم ورياضتهم ولا يمنعك حسن الظّنّ بأصحابك والرّأفة برعيّتك أن تستعمل المسألة والبحث عن أمورك, والمباشرة لأمور الأولياء, وحياطة الرعيّة, والنّظر في حوائجهم.
وأقم حدود الله تعالى في أصحاب الجرائم على قدر منازلهم وما استحقوا ولا تعطّل ذلك ولا تتهاون به, ولا تؤخّر عقوبة أهل العقوبة, فإنّ في تفريطك في ذلك ما يفسد عليك حسن ظنّك. وإذا عاهدت عهدا فأوف به, وإذا وعدت الخير فأنجزه, واقبل الحسنة وادفع بها وأغمض عن عيب كلّ ذي عيب من رعيّتك, واشدد لسانك عن قول الكذب والزّور, وأبغض أهل النّميمة, فإنّ أوّل فساد أمورك في عاجلها وآجلها تقريب الكذوب, والجراءة على الكذب, لأنّ الكذب رأس المآثم والزّور والنّميمة خاتمتها. ودع عنك شره نفسك, ولتكن ذخائرك وكنوزك الّتي تدّخر وتكنز البرّ والتّقوى, واستصلاح الرعيّة, وعمارة بلادهم, التفقّد لأمورهم والإعانة لملحوفهم.

كلّكم راع (2)

لا تحقرنّ ذنبا, ولا تمالئنّ حاسدا, ولا ترحمنّ فاجرا, ولا تصلنّ كفورا, ولا تداهنن عدوّا, ولا تصدّقنّ نماّما, ولا تأمننّ عدوّا, ولا توالينّ فاسقا, ولا تتّبعن غاويا, ولا تحمدنّ مرائيا, ولا تحقرنّ إنسانا, ولا تردّن سائلا فقيرا, ولا تحسننّ باطلا, ولا تلاحظنّ مضحكا, ولا تخلفنّ وعدا, ولا تذهبنّ فخرا, ولا تظهرنّ للنّمّام عينا, ولا تغمض عن ظالم رهبة منه أو محاباة. واجعل في كلّ كورة من عملك أمينا يخبرك خبر عمّالك, ويكتب إليك بسيرهم وأعمالهم, حتىّ كأنّك مع كلّ عامل في عمله, معاونا لأموره, وإذا أردت أن تأمرهم بأمر, فانظر في عواقب ما أردت من ذلك, فإن رأيت السّلامة فيه والعافية ورجوت فيه حسن الدفاع والصّنع, فأمضه, وإلاّ فتوقّف عنه, وراجع أهل البصر والعلم به, ثمّ خذ فيه عدّتك. فإنّه ربّما نظر الرّجل في أمره, وقد أتاه على ما يهوى فأغواه ذلك وأعجبه, فإن لم ينظر في عواقبه أهلكه ونقض عليه أمره. فاستعمل الحزم في كلّ ما أردت, وباشره بعد عون الله عزّ وجلّ بالقوّة, وأكثر من استخارة ربّك في أمورك. وافرغ من عمل يومك ولا تؤخّره, وأكثر مباشرته بنفسك, فإنّ لغد أمورا وحوادث تلهيك عن عمل يومك الّذي أخّرت, واعلم أنّ اليوم إذا مضي ذهب بما فيه, وإذا أمضيت لكلّ يوم عمله, ارحت بدنك ونفسك وجمعت أمر سلطانك.

كلكم راع (3)

وانظر أحرار لاناس وذوي الفضل منهم ممن بلوت صفاء طويتهم وشهدت مودتهم لك, ومظاهرتهم بالنصح والمحافظة على أمرك, لاستخلصهم وأحسن إليهم , وأفرد نفسك بالظر في أمور  الفقراء والمساكين, ومن لا يقدر على رفع مظلمته إليك, والمحتقر الذي لا علم له بطلب حقه. وتعاهد ذوي البأساء ويتاماهم وأراملهم , واجعل لهم أرزاقا من بيت المال. وانصب للمرضى دورا تؤويهم, وقواما يرفقون بهم. وأطباء يعالجون أسقامهم, وأسعفهم بشهواتهم, مالم يؤد ذلك غلى سرف في بيت المال.
واعرف ما يجمع عمالك من الأموال, وما ينفقون منها, ولا تجمع حراما, ولا تنفق إسرافا. وليكن أكرم دخلائك وخاصتك عليك, من أذا رأى عيبا لم تمنعه هيبتك من إنهاء ذلك إليك في ستر, وإعلامك بما فيه من النقص, فإن أولئك أنصح أوليائك ومظاهريك لك.
وانظر عمالك الذين بحضرتك وكتابك, فوقت لكل رجل منهم في كل يوم, وقتا يدخل فيه بكتبه ومؤامراته, وما عنده من حوائج عمالك, وأمور الدولة ورعيتك, ثم فرغ لما يورد عليك, من ذلك سمعك وبصرك وفهمك وعقلك, وكرر النظر فيه والتدبر له, فما كان ومافقا للحق والحكم فأمضه, واستخر الله عز وجل فيه, وما كان مخالفا لذلك فاصفه إلى المسألة التثبت. ولا تمنن على رعيتك ولا غيرهم بمعروف تؤتيه إليهم. ولا تقبل من أحد إلا الوفاء ولاستقامة في امور المسلمين, ولا تصنعن المعروف إال على ذلك.

دولة الممالك
إن كان هناك آثار ظاهرة ملكية في مصر والشام, فإنما تنسب إلى هذه الدولة. تأمل المساجد الكبرى, ومنها ما كان معدا لدراسة العلم, وتعرف من بناها, تجده من رجال دولة الممالك, والمنسوب إلى غيرهم قليل.
ولعلهم أرادوا أن يكفر الله عنهم بذلك, كثيرا من السيات لاتي كانوا يرتكبونها في أحكاهم.
      كان الملك والأمير في هذه الدولة حرا في الرعية, فإذا غضب لا يقوم لغضبه شيء: فإن شاء قتل وإن شاء صادر. فأخذ الأموال, وفضح العيال, وليس هناك من يقدر أن يقول له, لما فعلت؟ ولم قتلت؟.
      وإذا احتاج الملك منهم إىل شيء من النقود, لسد حاجة من حاجاته, فسرعان ما يصدر أمره بأنواع من المظالم. فتجبى الأموال, ويلاقي الناس من العذاب مالا مثيل له, حتى تربت الرعية على الخوف والرعب, ورأوا أن حيلتهم الوحيدة للخلاص من الشر أحيانا, إنما هي الكذب, وقلما كان ينجيهم. لأن أنواع العقوبات التي كانت تنصب حينئذ على بدن المنكر, تخرج منه ما عنده, فيعدم نفسه ويعدم ماله.
      وكانت المظالم التي تجبى بها الأموال, تكثر وتقل على حسب ما كان عليه الملوك من العدل والظلم. وخير الملوك من هذه الدولة, السلطان الناصر محمد بن قلاون, فإنه أبطل أنواعا كثيرة من هذه المظالم.
      وفد نبغ في مصر في أيامهم, كثير من علماء الدين: كجلال الدين السيوطي, وشيخ الإسلام زكريا الأنصاري, وغيرهما.
      وبالجملة, فسلطنة الممالك على مصر, كان شرها أكثر من خيرها. ويكفي الأمة عارا وحطة أن يشترى المملوك اليوم بالدرهم, ثم يصير بعد حين ملكا مهيمنا عليها.

Tidak ada komentar:

Posting Komentar